تعتبر صناعة الشحن والنقل البري من أبرز القطاعات الحيوية في الاقتصاد العالمي، وتلعب دورًا أساسيًا في تسهيل حركة البضائع والتجارة الدولية. ومع ذلك، فإن ثبات وسلاسة عمليات الشحن البري قد يواجه تحديات متعددة، بما في ذلك الأحداث الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية.
كما تُعد المنطقة الشرق الأوسط واحدة من أكبر أسواق الشحن البري في العالم، وتستند بشكل كبير على الاستخدام الفعال للطرق البرية لنقل البضائع القادمة من وإلى الموانئ والمراكز اللوجستية الرئيسية. وبوجود أزمة البحر الأحمر، شهدت الشركات تأخيرات كبيرة في تدفق البضائع وتوزيعها، مما أثر على السلاسة والكفاءة العامة للشحن البري. تعتبر هذه الأزمة تحدًا كبيرًا للشركات والموردين الذين يعتمدون على سلاسة سلسلة التوريد البرية لضمان التسليم في الوقت المحدد وتلبية احتياجات العملاء.
علاوة على ذلك، فإن أزمة البحر الأحمر تسببت في زيادة تكاليف الشحن والنقل البري، حيث اضطرت الشركات إلى البحث عن طرق بديلة وطويلة لنقل البضائع، ما يتطلب مصاريف إضافية وزمن إضافي. وهذا يضع الشركات في مواجهة تحديات اقتصادية تتمثل في تكاليف إضافية وتأخير في توصيل البضائع، مما يؤثر على التنافسية والربحية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه قطاع الشحن البري في الشرق الأوسط تحديات في توفير وسائل نقل بديلة وفعالة لتفادي أزمات مستقبلية مماثلة، مما يتطلب استثمارات إضافية في تطوير البنية التحتية وتعزيز الاستعداد.
تأثيرات أزمة البحر الأحمر على الشحن البري في الشرق الأوسط:
- زيادة نسبة التضخم على الصعيد العالمي يمكن تفسيرها جزئيًا بسبب مرور نحو 10% من إمدادات النفط العالمية ونحو 8% من الغاز عبر ممر البحر الأحمر سنويًا، بالإضافة إلى نقل حوالي 50 مليون طن من المنتجات الزراعية. هذه الظاهرة من المتوقع أن تؤثر بشكل كبير على أسعار الشحن البري، مما يتسبب في ارتفاعها وبالتالي زيادة نسبة التضخم في الأسواق العالمية.
- توقف خطوط الملاحة عبر البحر الأحمر سيكون له تأثير كبير على زيادة التكلفة والتأمين على البضائع التي يتم شحنها عن طريق الشحن البري، بالإضافة إلى أن هناك زيادة في المدة الزمنية التي سوف تستغرقها البضائع لوصولها لوجهتها سواء الصادرة أو الواردة.
- تغيرات في أساليب الشحن نتيجة للأزمة قد اضطرت الشركات إلى استكشاف طرق جديدة لنقل البضائع وتبني خيارات بديلة. يمكن أن تتسبب هذه الخطوة في تأثيرات جانبية على العلاقات التجارية وحركة التجارة العالمية.
- زيادة التحديات اللوجستية بشكل كبير، حيث اضطرت الشركات إلى التعامل مع تحديات إضافية مثل التخزين وتوزيع البضائع نتيجة لتأثير الأزمة على مسارات الشحن البري.
- ارتفعت أسعار الشحن المسافر من آسيا إلى شمال أوروبا بأكثر من الضعف هذا الأسبوع لتتجاوز 4000 دولار لكل وحدة تعادل 40 قدمًا (حاوية). وارتفعت الأسعار في منطقة آسيا والبحر الأبيض المتوسط إلى 5175 دولارًا للحاوية. كما أعلنت بعض شركات النقل عن أسعار تزيد عن 6000 دولار لكل حاوية 40 قدمًا لشحنات البحر الأبيض المتوسط، مع رسوم إضافية تتراوح من 500 دولار إلى 2700 دولار لكل حاوية.
كما ارتفعت أسعار الشحن من آسيا إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية بنسبة 55٪ لتصل إلى 3900 دولار لكل حاوية 40 قدمًا. وارتفعت أسعار الشحن من آسيا إلى الساحل الغربي الأمريكي بنسبة 63٪ إلى أكثر من 2700 دولار. ومن المتوقع أن يبدأ المزيد من شركات الشحن في تجنب الساحل الشرقي ويفضلون موانئ الساحل الغربي.
الطرق البديلة المستخدمة في الشحن البري:
إن أكثر من 20 شركة شحن بحري أعلنت أنها ستتحاشى المرور عبر باب المندب، وهذه الشركات تشكل نحو 52% من حركة الشحن العالمي، وقد أعلن بعض هذه الشركات عن استخدام البر للوصول إلى البحر الأحمر. مما ساهم في عمل طرق بديلة للشحن البري، وتتمثل تلك الطرق في الآتي:
1.الطريق الأول: أعلنت مجموعة Hapag-Lloyd مؤخراً عن قرارها بمواصلة توجيه سفنها للإبحار حول رأس الرجاء الصالح حتى يتم إشعار آخر، نظراً للاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر. وأكدت الشركة على استعدادها لفتح ممرات برية جديدة عبر السعودية من مناطق جبل علي والدمام والجبيل، وذلك لتخفيف الضغط على أعمالها التجارية وتسهيل توصيل البضائع التي تنطلق من جدة.
وتشير التقارير إلى وجود خمسة موانئ سعودية على ساحل البحر الأحمر يمكن استخدامها كمرافئ لهذا الطريق البديل لنقل البضائع من الخليج العربي عبر البر السعودي، بشرط توفر خطوط سكك حديدية مناسبة.
وتعمل السعودية حالياً على إنشاء خط بري لهذا الغرض، حيث تمت الموافقة الرسمية على تنفيذ المشروع، وعلى الرغم من أن العمل فيه قد يستغرق بعض الوقت، إلا أنه يُعتبر أمراً ضرورياً وعاجلاً نظراً لتأثيره على التجارة العالمية.
ويعتبر البحر الأحمر مساراً مهماً للتجارة العالمية، حيث يمر عبره نحو 13% من إجمالي التجارة العالمية ويتم تحويله من خلاله حوالي 23 ألف ناقلة سنوياً، وهو يشكل نحو 30% من حركة الحاويات في جميع أنحاء العالم و40% من حركة التجارة بين أوروبا وآسيا. وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد أوروبا بشكل كبير على هذا الممر لنقل حوالي 60% من احتياجاتها من الطاقة.
2.الطريق الثاني: تم الاتفاق بين مصر والأردن على تشغيل خط الجسر العربي للنقل البري والبحري بين ميناء العقبة في الأردن والموانئ المصرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، كبديل لمسارات الشحن المتضررة في البحر الأحمر وباب المندب، وفقًا لوكالة أنباء الأردن.
بموجب الاتفاق الذي تم بين البلدين، قامت شركة الجسر العربي بالتسريع في إكمال جميع المتطلبات الدولية والفنية الضرورية لتشغيل الخط البديل، من خلال إنشاء مسار بحري جديد يخدم النقل البري والبحري.
يمر الخط البديل عبر مناطق مثل العقبة وميناء نويبع في مصر، والموانئ المصرية المهمة المطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل الإسكندرية وبورسعيد ودمياط.
يقوم الخط البحري بربط المناطق الحيوية على البحرين الأحمر والمتوسط بشبكة الطرق البرية، مما يتيح تنويع طرق التجارة وتقليل تكلفة النقل. ومن المتوقع أن تستغرق رحلات شحن الحاويات من الأردن إلى الولايات المتحدة عن طريق الموانئ المصرية ما بين 18 إلى 20 يوماً.
3.الطريق الثالث: الاضطرابات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر أدت إلى زيادة الطلب على النقل عبر السكك الحديدية، بهدف التغلب على التحديات التي تواجه التجارة العالمية في أزمة الشحن.
ولقد بدأت العديد من الشركات في الشرق الأوسط بنقل بضائعها إلى أوروبا عن طريق إرسالها عبر السكك الحديدية من الصين إلى أوروبا عبر روسيا، بالتعاون مع الأتحاد الأوروبي الذي سمح بنقل البضائع عبر السكك الحديدية من خلال روسيا (مع استثناء المنتجات المعرضة للعقوبات).
ونتيجة لهذا، شهدنا زيادة في حجوزات خطوط السكك الحديدية بين الصين وأوروبا بنسبة 37% خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.